يعدّ إصدار الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لتقرير سنويّ حدثا مهمّا في هذا الظرف بالذات، لا لإعادة الأمور إلى نصابها بعد أنْ تخلّفت عن القيام بذلك لسنوات عديدة خلتْ لأسباب داخلية وموضوعية فحسب، وإنما خاصّة لتوثيق نشاطها اليومي في رصد واقع الحقوق والحريات في البلاد وتفعيل دورها الطبيعي في التنبيه للتجاوزات التي قد تحصل في حق الحريات الأساسية للمواطنين.
ويتزامن صدور هذا التقرير مع الاحتفاء بذكرى حدث رمزيّ في سيرورة حركة حقوق الإنسان ألا وهي مرور 75 سنة على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي مناسبة من الواجب استثمارها لا لتقييم المُنجز وطنيا ودوليا في مستوى الحقوق الأساسية للأفراد والشعوب وحسب وإنما أيضا للبحث في سبل تعزيز تلك الحقوق في ظل مُجمل التحدّيات الجمّة التي تواجهها.
يأتي صدور هذا الدليل في وقت تمرّ فيه البلاد بتحول استثنائي بكل المقاييس. فمنذ أكثر من سنتيْن تعيش تونس على وقع متغيرات عميقة، يظهرُ منها على السطح توسعُ هيمنة السلطة التنفيذية على الحياة العامة ونزوعٌ جامحٌ لتحويل السلطة القضائية إلى مجرد وظيفة، كما تتعدّد المؤشرات على توجّه تصاعدي نحو تهميش المجتمع المدني ومحاصرة حرية الرأي والتعبير. ويحصل كل ذلك في ظل تواصل أزمة اقتصادية عميقة أثرت سلبا على تمتّع مختلف مكونات المجتمع بالحقوق الأساسية الواردة في المواثيق الدولية، وهو ما يحوّل الخطاب الرسمي إلى مجرد وعود في أفق داخلي وخارجي لا يبعث كثيرا من الأمل على الأقل في منظور قريب.
وبما أنّه يعكس منظور منظمة حقوقية، يحاول هذا التقرير رصد هذا الواقع بمنهج استقرائي ناقدٍ، على ضوء ما تقرّه منظومة الحقوق الكونية المترابطة التي لا تعزل الحقوق السياسية عن نظيرتها الاجتماعية ولاقتصادية. ولهذا تفرّع إلى أقسام غطّت مختلف تلك الحقوق؛ فتناول وضعية الحقوق المدنيّة والسياسية في الباب الأوّل والثاني والحقوق الاقتصادية في الباب الثالث، وأفرد لحقوق النساء الباب الرابع وخصص الباب الخامس لحقوق الفئات الهشة ومنها الأقليات والمهاجرين.
Leave Your Comment