يحيي التونسيات والتونسيون اليوم الذكرى السابعة والستين لصدور مجلة الأحوال الشخصية التي اعتُبرت حينها حدثا تشريعيا بعيد التأثير، عبّرَ عن طموحات أجيال متعاقبة من النخب التنويرية، وفضلا عن كونها فتحت آفاقا لمجتمع متحفز للحداثة، فقد ضمنت العديد من المكاسب المجتمعية أبرزها منع تعدد الزوجات، ومنع الزواج خارج إطار القانون، وسحب القوامة من الرجل وجعل الطلاق بيد المحكمة وإقرار المساواة الكاملة بين الزوجين فيما يتعلق بالطلاق، وإقرار اشتراط رضاء الزوجين، ومنع الزواج المبكر.
واذ نجدد في هذه المناسبة التأكيد على أهمية مجلة الأحوال الشخصية ودورها في ضمان وتعزيز حقوق الأفراد في قضايا الحالة الشخصية حيث تلعب دورا حاسما في تنظيم العلاقات الأسرية والاجتماعية، وتحقيق التوازن بين حقوق الأفراد وواجباتهم، إلّا انه يجب أن نتساءل اليوم إذا ما كانت المجلة ما تزال تلبّي تطلّعات واحتياجات المجتمع وتنسجم مع التطورات الاجتماعية والثقافية الحديثة.
فرغم أهميتها، إلّا أننا نعتبر أنها لم تعد تواكب توقعات الحركة الحقوقية والنسوية في تونس حيث لم تتطور بما يتلاءم مع التغيرات التي طرأت على واقع النساء، بما في ذلك دورهن في سوق العمل ومشاركتهن الفاعلة في بناء وتطوير المجتمع.
فقد أصبحت المجلة مع مرور الوقت، ترسّخ نمطًا عائليًا يعتمد على الأبوة المطلقة ويفتقر إلى المساواة والتوازن. وظلّت المجلة تحافظ على مفاهيم قديمة مثل مفهوم المهر ودور الزوج في رئاسة الأسرة، ممّا أدّى إلى استمرار تفوق الذكورية وعدم التساوي، بما في ذلك الفارق في الميراث.
تواصلت ظواهر اجتماعية عديدة تؤكد استمرار اللّامساواة بين المرأة والرجل سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو التشريعي أو السياسي، حيث تؤكد الإحصائيات تعرّض نسب كبيرة من النساء للعنف بمختلف مظاهره، وهذا رغم إقرار قانون لمكافحة العنف ضد النساء (القانون عدد58 لعام2017) الذي اعتُبر رائدا في كامل المحيط العربي والإسلامي والإفريقي وهو ما يطرح تساؤلا حول ما إذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لمواجهة مظاهر التمييز كما يروّج لذلك الخطاب الرسمي.
هذا الوضع ساهم في ترسيخ نمط من الفقر المرتبط بالإناث في تونس، وعجز النساء عن الاستفادة من فرص الثراء، مما أسهم في تعميق الفجوة بين الجنسين وتعزيز التفشي المتزايد للعنف بأشكاله المختلفة ضد النساء والأطفال.
كما نسًجل بعد 25 جويلية 2021 تراجعا جليّا عن مكاسب ناضلت من أجلها أجيال من النسويات والحقوقيات والحقوقيين ولعلّ أهمّها التنازل عن حق التناصف في القائمات الانتخابية واستبعاد النساء من مواقع القرار السياسي.
وفي هذه المناسبة تدعو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان إلى إعادة النظر في تطبيق وتفعيل مجلة الأحوال الشخصية بما يتلاءم مع التحديات الراهنة ومتطلبات المرحلة الحالية، اذ لا ينبغي ان تكون عصية على التطوّر بل يجب ان تتلاءم مع تغير المعطيات الاجتماعية والقانونية، مع مراعاة حقوق النساء دون تمييز وضمان تكافؤ الفرص والمساواة في جميع المجالات.
كما نؤكد على أهمية العمل المستمر والشراكة بين المؤسسات والمجتمع المدني لضمان تحقيق مبادئ المساواة والعدالة وحقوق الإنسان وندعو إلى مزيد من الجهود لتطوير وتعزيز مجلة الأحوال الشخصية وجعلها آليّة ناجعة لتحقيق التقدم والرفاهية للجميع من أجل تفعيل مبدأ المساواة الكاملة بين المواطنين والمواطنات، باعتبار ذلك الضامن للتصدي للأطروحات الماضوية المعادية لدولة القانون والمواطنة.
Leave Your Comment