تعيش البلاد جدلا حادا حول مشروع الدستور الذي اقترحته الرئاسة والصادر بالرائد الرسمي عدد 74 والمؤرخ في 30 جوان 2022، والذي سيكون محلّ استفتاء يوم 25 جويلية 2022.
والتزاما من الرابطة بإبداء موقفها من مختلف القضايا الوطنية، وبالرجوع إلى مقترح نصّ الدستور يهمّها إبداء جملة من الملاحظات السريعة ذات الصلة بالحريات الفردية العامة والخاصة وبالنظام السياسي، أهمها:
– غياب أية إشارة في الأحكام العامة للاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان في استلهام القوانين، بل ان الفصل 5 يتحدّث عن “مقاصد الإسلام الحنيف”، وهو مصطلح حمّال لأوجه مختلفة ومتنافرة أحيانا، واستغلته الحركات الدينية المختلفة لفرض تشاريع ماضوية.
– مع أهمية ما يأتي في باب الحقوق والحريات، فإن عددا منها مرهون بعبارة “حسبما يضبطها القانون” (الفصل 24، الفصل 29، الفصل 55) أو “ما ينظمه القانون” (الفصل 43)، وهو ما يجعلها عرضة للمراجعة والتعدي عليها من قبل السلطة التنفيذية الضابطة للقانون
– يتحدث مقترح الدستور عن ضمان حرية الرأي والفكر والتعبير والنشر والإعلام (الفصل 38) لكنه يفتح المجال أمام التراجع عن جوهر تلك الحرية بمقتضى عبارات فضفاضة مثل الأمن القومي والآداب العامة (الفصل 55).
– يغيب في النص المقترح مبدأ الفصل بين السلط التي تخضع كلّها إلى سلطة رئاسة الجمهورية من خلال الإشراف المنفرد على رئيس الوزراء (عوض رئيس الحكومة) الذي تحوّل إلى مساعد لرئيس الجمهورية (الفصل 87)، وإعطاء الرئيس كل الصلاحيات في تعيين الوزراء وعزلهم (الفصول 101 و102)، هذا إلى جانب تمتيع الرئيس بصلاحيات غير محدودة في كل ما يهمّ السياسة الداخلية والخارجية (كامل الفصول الخاصة برئيس الجمهورية)
– يُمتع نص الدستور رئيس الجمهورية بحصانة تامة أثناء وبعد انتهاء مهامه، وهو ما يفتح الباب أمام الإفلات من المساءلة القانونية (الفصل 110)
– يُلاحظ إلغاء مختلف الهيئات الدستورية، باستثناء هيئة عليا مستقلة للانتخابات، لكن دون التنصيص على انتخابها، بما يفتح الباب أمام تعيينها من قبل رئيس الجمهورية وبالتالي تحوّلها إلى هيكل غير موثوق في صدقية إنجازاته.
– مع أهمية التنصيص على مساواة المواطنين والمواطنين أمام القانون في الحقوق والواجبات (الفصل 23) فإن نص الدستور يصمت تماما عن المساواة التامة بين الجنسيْن.
لقد نبّهت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان سابقا إلى خطورة استغلال الرغبة في التخلص من تركة العشرية السابقة لتمرير مراسيم وقوانين تمسّ من مكاسب الحقوق الخاصة والعامة. وتذكر الرابطة في هذا الخصوص بحضور الرابطة جلسات الحوار الوطني، وقد نبّه رئيسها خلال الجلسة الأولى منه إلى أنّ ضغط الزمن وغياب جل منظمات المجتمع المدني الرئيسية قد يجعل من الحوار صوريا. كما تذكّر الرابطة كذلك بأنّ رئيس الرابطة طلب من الأستاذ الصادق بلعيد رئيس اللجنة صياغة الدستور ثم من السيد عميد المحامين باعتباره منسقا للجنة الاستشارية، مده بنسخة من مسودة المقترح للاطلاع عليها وإبداء الرأي قبل إحالتها للرئيس لكن طلبه جُوبه برفض مُبطن ولم تتطلع على النص النهائي إلا بعد صدوره في الرائد الرسمي.
بناءً على السابق فإنّ الرابطة تقدّر أن الدستور المقترح لا يتوافق مع ميثاق الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومرجعياتها الوطنية والدولية ومع نضال أجيالها المتواصل من أجل دولة مدنية تضمن فصلا تاما للسلط ومساواة كاملة بين المواطنين وإعلاء للحقوق في بعدها الكوني؛ كما تعتبر الرابطة أن المشروع المقترح قد يمهد السبيل لانحرافات ماضوية.
وإذ تؤكد الرابطة أن تقييمها هذا يلتقي مع ما تذهب إليه مُجمل مكونات المجتمع المدني وحتى أعضاء اللجنة التي صاغت النسخة الأصلية المقدمة لرئيس الجمهورية، والذين وصفوا النص الوارد في الرائد الرسمي بأنه يؤسس لدولة استبدادية، فإنها تدعو رئيس الجمهورية إلى سحب الدستور المقترح وإعادة إطلاق حوار وطني فعلي قادر على إخراج البلاد من الحالة الراهنة.
Leave Your Comment