يحيي العالم اليوم الذكرى الرابعة والسبعين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي بات مفصليا في تاريخ الإنسانية قاطبة وتحوّل إلى مناسبة لتثبيت منظومة حقوق الإنسان في بعدها الكوني والشمولي غير القابل للتجزئة.
وإذ تشارك الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان كل المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان في العالم الاحتفال بهذه الذكرى، وتُحَيِّي نضالهم/هنّ والتزامهم/هنّ التام بحمايتها من شتى الانتهاكات التي قد تطالها، وهو ما كان له الأثر الايجابي وفي تعزيز مبادئها وفي سنّ عشرات الاتفاقيات الضامنة لمجمل الحقوق، ولا سيما للفئات المضطهدة والمهمشة، على الصعيدين الوطني والدولي، فإنها تعبر بهذه المناسبة على ما يلي:
-انشغالها العميق إزاء ضبابية المسار السياسي الانتقالي للبلاد وإزاء مركزة مختلف السلط بيد رئاسة الجمهورية في تناقض واضح مع أسس الديمقراطية والدولة المدنية القاضي بتشريك مختلف مكونات المشهد السياسي والمدني بالبلاد.
-قلقها الشديد من تعمّق الأزمة في البلاد وتوسّعها لتشمل كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية، ومن المؤشرات الدّالة على ذلك:
-التراجع المسجل في مجال الحريات الفردية والعامة
-إصدار مراسيم تتعارض وجوهر المبادئ السامية للشرعية الدولية لحقوق الإنسان وحتّى مع الخطاب الرسمي ذاته، ومنها المرسوم 54 لسنة 2022
-تواصل محاولات التضييق على حرية التعبير والإعلام، من خلال تعدد الاعتداءات والإيقافات والتتبعات القضائية ضد الصحفيين والصحافيات والإعلاميين والإعلاميات والمدونين والمدونات.
-محاكمات المدنيين أمام المحاكم العسكرية.
-محاولات ضرب استقلالية القضاء من خلال الاعفاءات الغير قانونية ووضع القضاة تحت الضغط والوصاية وعدم الالتزام بتنفيذ قرارات المحكمة الادارية والتأخر في اصدار الحركة القضائية
-التراجع الممنهج عن مسار تكريس المساواة التامة والفعلية للمرأة، ومن أبرز معالمه إقصاء القانون الانتخابي النساء من ممارسة حقهن المشروع في المشاركة في الحياة السياسية والشأن العام.
-تواصل ظاهرة الإفلات من العقاب التي تشجع على التمادي في مواصلة الممارسات اللاإنسانية والمهينة والحاطة من الكرامة البشرية.
-تفاقم حجم البطالة، وارتفاع نسب الفقر والتهميش وانسداد الأفق لدى الشباب وأغلب شرائح المجتمع في ظل استمرار العمل بنفس المنوال التنموي الفاشل. وكان هذا أبرز أسباب تنامي وتيرة الهجرة غير النظامية، وتوسّعها نوعيا لتشمل حتى العائلات والأطفال. وقد قابل ذلك في غالب الأحيان غياب تام للسلطة أو تردّدها، الأمر الذي أدى إلى تزايد مظاهر الاحتقان على غرار ما حصل في جرجيس.
-تردي القدرة الشرائية لعموم المواطنين والمواطنات، وارتفاع نسب التضخم، مع عدم توفر المواد الأساسية لحياة المواطن، بحكم الخلل الحاصل في مسالك الإنتاج والتوزيع.
-فقدان المواطن للثقة في المنظومة العلاجية بالمرفق العمومي للصحة نتيجة تردي الخدمات والنقص الفادح في الإطار الطبي والشبه الطبي وفي المعدات والعديد من الأدوية الأساسية.
-تواصل تدهور المنظومة العمومية للتعليم نتيجة تهميشها واهتراء بنيتها الأساسية والنقص الكبير في الإطار التربوي والإداري، مما أدى إلى ارتفاع نسب التسرب المدرسي (أكثر من مليون منقطع خلال العشر سنوات الأخيرة) وزاد في تفاقم نسبة التوتر والعنف داخل المؤسسات التربوية ومن تواتر لافت لظاهرة حالات الانتحار في صفوف الناشئة.
-فشل السلط العمومية في ايجاد حلول للكوارث البيئية وضمان حق المواطن في العيش في بيئة سليمة في عديد الجهات على غرار ما يحصل في صفاقس
إزاء كلّ السّابق، وإذ تسجل الرابطة غياب رؤية إستراتيجية واضحة لتنمية عادلة وشاملة والإمعان في مواصلة سياسة التداين، وتستغرب في هذا الخصوص من حجب الاتفاقات المبرمة مع صندوق النقد الدولي وعدم الافصاح على محتواها وما سيترتب عنها من اجراءات موجعة تمس بالأمن الاقتصادي والغذائي للتونسيين والتونسيات، فإنّها تؤكّد مساندتها المطلقة للحق في التظاهر السلمي ولجميع التحركات الاجتماعية ذات المطالب المشروعة في العمل والكرامة والتنمية العادلة. كما تنبّه من خطورة التعامل الأمني أو الزجّ بالقضاء في مواجهتها.
تعيش اليوم الإنسانية في أتون أزمات عديدة حيت تعتبر أزمة المناخ، وكثرة النزاعات المسلحة، وتعدد بؤر التوتر وعدم الاستقرار في أنحاء كثيرة من العالم وانتشار الأوبئة وما تمخّض عنها من تداعيات سلبية أثّرت بصورة عميقة على سياسات الدول الفقيرة وخياراتها الاقتصادية. وقد قابل كل ذلك عدم التزام الدول الكبرى بتعهداتها تجاه العالم وخاصة فيما يتعلق بأزمة المناخ ومساعدة الدول الفقيرة، مما أثّر سلبا على احترام مبادئ حقوق الإنسان وانتشار الانتهاكات التي طالت الفئات الضعيفة والأكثر فقرا.
وتأسيسا على ما سبق فإنّ الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تدعو المجموعة الدولية إلى ضرورة الوفاء بتعهداتها في سبيل تحقيق الأهداف 17 للتنمية المستدامة وغاياتها ال 164 والمضي قدما نحو ابتكار حلول جذرية لظاهرة الهجرة غير النظامية وفق آليات توائم بين احترام حقوق الإنسان وحقوق البلدان الفقيرة على حد سواء ومن ثمة العمل على تفعيل أكثر لنجاعة حق التضامن الدولي٠
كما تستثمر الرابطة مناسبة إحياء ذكرى صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لتجدّد بصوت عال مساندتها المطلقة لسائر حركات التحرر في العالم وفي طليعتها كفاح الشعب الفلسطيني الصامد من أجل الحق في تقرير مصيره وإقامة دولته الحرة والمستقلة على الأراضي الفلسطينية.
كما تساند الرابطة نضالات المرأة من أجل التحرر والمساواة التامة في كافة أنحاء العالم، ومنها التحركات المدنية السلمية للمرأة الإيرانية في نضالها من أجل حقوقها المكفولة في المواثيق الدولية ذات الشأن.
هذا وتحث الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان المجموعة الدولية على إيجاد آلية جديدة تتسم بالنجاعة والفاعلية لضمان حماية المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان في كافة أرجاء العالم. كما تدعو الحقوقيين والحقوقيات في تونس وفي العالم إلى مزيد التآزر وتكثيف العمل للتصدي للانتهاكات والتشهير بها، ومن أجل دعم المكاسب الحقوقية الكونية السامية.
عن الهيئة المديرة
الرئيس
بسّام الطريفي
Leave Your Comment