تمر اليوم ثلاث عشرة سنة على هذا التاريخ الذي يمثل حدثا مفصليا في تاريخ تونس المعاصرة، فهو لم يكن فقط تاريخ فرار حاكم مستبد تلاعب بمقدرات البلاد ومصيرها لأكثر من عقدين من الزمن، بل مثّل تتويجا لنضالات أجيال من التونسيين والتونسيات من أجل ديمقراطية حقيقية ومن أجل دولة مدنية ضامنة للكرامة والمساواة ومُكرّسة للحقوق والحريات العامة والفردية.
وقد دافعت الرابطة طيلة التحولات والخيبات التي شهدتها البلاد بعد 14 جانفي 2011، بفعل قوى الردّة المختلفة وخاصة منها تلك التي تحكمت في أجهزة الدولة، عن مكاسب الدولة المدنية وطالبت باستكمال تركيز المؤسسات التي سنّها الدستور ولا سيما تلك الضامنة لاستقلال المرفق القضائي ومقاومة الفساد وحياد الإعلام؛ وندّدت بإجراءات السيطرة على المرفق القضائي والإدارة، وبالالتفاف على دعوات محاسبة الذين أجرموا في حق البلاد ونهبوا ثرواتها، وضمن هذا الإطار رفضت ما عُرف بقانون المصالحة الاقتصادية والمالية سنة 2016. كما ساندت الرابطة ضحايا العمليات الإرهابية وطالبت بإماطة اللثام عن مرتكبيها ومحاسبة من يقف وراءها؛ وعملت مع حلفائها من قوى المجتمع المدني على تقديم مقترحات لتجسيد الحقوق الاقتصادية والحدّ من تهميش الفئات الاجتماعية المحرومة ومن اللاتوازن الجهوي. وفي ذات الوقت حرصت الرابطة في نشاطها اليومي على ملاءمة القوانين الوطنية مع المواثيق الدولية، وعلى رصد أوضاع حقوق الإنسان ومدى ملاءمتها لقانونها الأساسي ومرجعياتها المختلفة وأصدرت في هذا الشأن عشرات التقارير عن أوضاع السجون ومراكز الاحتفاظ مُذيّلة بمقترحات تضمن الحقوق الدنيا للمودعين فيها.
وبقيت الرابطة ثابتة في توجهاتها بعد 25 جويلية 2021، ملتزمة بالدفاع عن الحقوق والحريات وبالفصل الفعلي بين السلط وبضرورة التصدّي للفساد في إطار القانون وبعدم تجريم العمل السياسي المدني وبحرية الرأي والضمير وبأهمية إرساء نمط اقتصادي تنموي يضمن الاستقلال الفعلي للبلاد ويحدّ من الفوارق الاجتماعية والإقليمية. في هذا السياق رفضت الرابطة، المراسيم التي تكرس سيطرة السلطة التنفيذية -وتحديدا رئاسة الجمهورية- على باقي مؤسسات الدولة، وعبّرت عن معارضتها الصريحة لسياسة وضع اليد على القضاء والسيطرة على المرفق القضائي والسعي إلى تحويله إلى مجرّد وظيفة في خدمة السلطة التنفيذية. كما عبّرت الرابطة في أكثر من مناسبة عن انشغالها الشديد من تراجع حيّز حرية الرأي والتعبير من خلال استهداف الصحافيين والصحافيات وحتى مواطنين عاديين بالإيقاف والمحاكمة بمقتضى مرسوم رئاسيّ تعسفي(المرسوم 54) وقوانين أخرى مخالفة للدستور وكلّ التزامات تونس الدولية، وكذلك تخوّفها من تنامي توجّه يهدف إلى محاصرة العمل الجمعياتي المدني المستقّل.
وبهذه المناسبة الوطنية الهامة، فإن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تجدّد الدعوة إلى:
– احترام الفصل الفعلي بين السلط ورفع يد السلطة التنفيذية عن السلطة القضائية وكل المؤسسات الموكول لها الإشراف على الانتخابات والإعلام ومواجهة الفساد.
– التوقف عن توظيف القضاء لاستهداف المعارضين والنشطاء السياسيين، والتسريع بإطلاق سراح المساجين منهم ما لم تتوفّر الأدلة على تورطهم في قضايا الفساد أو خرق مبادئ العمل السياسي السلمي.
– الاحترام الفعلي لحرية الرأي والتعبير، من خلال إلغاء المراسيم المنافية لذلك وإطلاق سراح كل ضحاياها وإيقاف التتبعات في حقهم.
– احترام استقلالية جمعيات المجتمع المدني والتصدي لدعوات محاصرتها.
– اتخاذ إجراءات فعلية للحد من معاناة المواطنين اليومية في توفير الغذاء والدواء والحق في شغل يضمن لهم الكرامة.
– ضمان المساواة التامة بين التونسيات والتونسيين التزاما بتعهدات تونس الدولية، وتفعيل القوانين لمكافحة كل أشكال العنف ضدّ النساء.
ولا يفوت الرابطة بهذه المناسبة أن تجدّد:
– التزامها بدورها الوطني الرامي إلى تكريس الديمقراطية ودولة القانون واحترام حقوق الإنسان، وهي في هذا الإطار تدعو جميع القوى الديمقراطية والحقوقية إلى الالتقاء حول برنامج عمل مشترك في مواجهة التحديات التي تفرضها الأوضاع الراهنة.
– تأكيد استعدادها الصادق للتعاون مع كل الملتزمين بحماية مكتسبات الشعب التونسي في مجال الحقوق والحريات وبمكافحة أي انحراف أو استبداد يهدّد تلك المكتسبات.
– رفضها كل أشكال التمييز العنصري واحترام حقوق المهاجرين.
– دعمها المطلق لكفاح الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال الصهيوني وممارساته الإجرامية ضد الإنسانية وحقه المكفول بالشرعية الدولية في مقاومته بكل الوسائل المتاحة.
– تدين التعدّي على حقوق الشعوب في الدفاع عن حقها في تقرير المصير وفي التضامن بينها، وفي هذا الإطار تندّد بشدّة العدوان الأمريكي البريطاني على الشعب اليمني الداعم للمقاومة الفلسطينية.
Leave Your Comment