يُحيي الرابطيون والرابطيات اليوم بكل اعتزاز مرور سبع وأربعين سنة على تأسيس منظمتهم العتيدة، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وبهذا المناسبة لا يفوت هيئتها المديرة أن تتوجه إلى مؤسسيها، الأحياء منهم والمتوفين، وإلى كلّ من تعاقب على المسؤوليات في هياكلها وكذلك إلى كافة مناضلاتها ومناضليها وأصدقائها بالداخل والخارج بأسمى عبارات التقدير والإكبار لما قدموه من جهود وتضحيات لكي تحافظ على وجودها وعلى استقلالية قرارها وأن تبقى صامدة في وجه كل التحديات التي واجهتها.
لقد تأسّست الرابطة في ظرف كانت بلادنا تعيش فيه تحت نظام حكم الحزب الواحد، ولم تتهيأ بعدُ لقبول الرأي المخالف، ومع هذا نجحت في تركيز أسسها الأولى وانتشرت فروعها في مختلف جهات البلاد. ثم واجهت من بداية تسعينات القرن الماضي نظاما استبداديا عمِل كل ما بإمكانه على محاصرة نشاطها، فأغلق مقرّاتها وضيّق على نُشطائها، ومع ذلك صمدت وتصدّت لكلّ محاولات تدجينها؛ بل ساهمت خلال تلك الفترة في توسيع الحركة الحقوقية على الصعيديْن العربي والإفريقي.
وبعد الثورة كانت الرابطة في مقدّمة القوى المُدافعة عن الحريات والحقوق في بعدها الكوني الشمولي وعن مدنية الدولة، وتصدّت للقوى الماضوية المعادية للتقدم، وقاومت كل التعبيرات الاستبدادية، وساندت مطالب للفئات المحرومة من حقوقها الأساسية في الشغل والحرية والكرامة. كما استثمرت الرابطة رصيدها المعنوي وثقة المجتمع المدني والسياسي في مناضليها لتلعب دورا نشيطا في مناسبات مختلفة، سيما إبان الأزمات مثل تلك التي عاشتها البلاد بين نهاية 2013 وسنة 2014، الأمر مكّن البلاد حينها من تجاوز أزمة حادة وشاملة، ولو مؤقتا. وبسبب تواصل التعطل السياسي والاجتماعي.
بعد ذلك التاريخ حذّرت الرابطة مرارا من خطورة عدم استكمال المؤسسات الدستورية وعدم تفعيل آليات مقاومة الفساد ومن توظيف هياكل الدولة لأغراض حزبية وغياب الجدية في محاسبة المسؤولين على الاغتيالات السياسية، وكذلك من خطورة عدم مراجعة منوال التنمية والخيارت الاقتصادية والاجتماعية.
والتزاما بمرجعياتها الوطنية والدولية نبهت الرابطة بعد 25 جويلية 2021 من مخاطر تغوّل السلطة التنفيذية على باقي السلط ومن دسترة هيمنة الرئاسة على مختلف المؤسسات بما فيها المؤسستيْن العسكرية والأمنية، وفرض مجالس نيابية تفتقد إلى تمثيلية واسعة للإرادة الشعبية، ومن إفقاد المؤسسات الرقابية والتعديلية استقلاليتها، ومن عدم التقدم الفعلي في تركيز المحكمة الدستورية… كما عبّرت الرابطة عن تخوّفها من سعي للسلطة التنفيذية الحثيث لوضع يدها على مؤسسة القضاء الذي بات بحسب دستور 2022 مجرد وظيفة من وظائف الدولة. وفي ذات الوقت نبّهت الرابطة إلى خطورة التضييق على العمل الجمعياتي، ومن تبعات السيطرة التامة على المرفق الإعلامي وتتالي محاكمات الصحافيين والصحافيات والمواطنين والمواطنات العاديين باعتماد قوانين زجرية وبمرسوم يضرب حرية التعبير في الصميم، مرسوم 54.
وفي هذا الصدد، وإذ تجدد الرابطة التونسية لحقوق الإنسان حرصها على الحوار والتعاون مع كل المؤسسات من أجل حماية وتعزيز الحريات وحقوق الانسان، فإنها تجدد أيضا التزامها بالنضال الدؤوب مع شركائها في المجتمع المدني والحركة الديمقراطية من أجل الحفاظ على المكتسبات التي حققها الشعب التونسي في مجال الحقوق والحريات ومكافحة أي انحراف استبدادي.
وإذ تذكر الرابطة، وهي تحتفل بهذه المناسبة، بحق الشعب التونسي في التمتع بكل الحقوق التي تكفل كرامته فإنها، واستنادا إلى مرجعيتها الحقوقية الكونية ورصيدها ودورها الوطني، تعبر عن:
• رفضها لتواصل الانحراف نحو إرساء حكم فردي تتغول فيه رئاسة الدولة على بقية المؤسسات، وتخضع فيه السلطة التنفيذية بقية السلط والمؤسسات المستقلة والتعديلية، ويهمش دور الهياكل التمثيلية والأجسام الوسيطة، ويتم تصحير الحياة السياسية عبر شيطنة الأحزاب والعمل السياسي.
• استنكارها لتصعيد السلطة التنفيذية أعمالها الرامية إلى اخضاع القضاء وتحويله إلى عصا بيدها وتطالب بالتراجع عن الإجراءات التي تمس من الاستقلال الفعليّ للسلطة القضائية.
• إدانتها لتواصل التضييق على الحريات وانتهاكات حقوق الانسان وحملات التخوين التي تأتيها السلطة ضد كل من يخالفها الرأي.
• إدانتها الشديدة لتواصل الملاحقة القضائية ضد النشطاء السياسيين والمدنيين وإيقاف مواطنين على خلفية نشاطهم أو ممارستهم لحقهم في التعبير والتنظم، وتنـدد بالانتهـاكات التـي طالـت الموقوفيـن والموقوفـات خلال مراحل الإيقاف والتحقيق، ومطالبتها بإطلاق سراحهم ووقف التتبعات ضدهم والكف عن تلفيق التهم وتوظيف أجهزة الدولة ضد الخصوم والمعارضين والأصوات المستقلة.
• استنكارها تواصل التضييق على حرية التعبير والصحافة والإعلام، وتواصل وضع يد السلطة على المؤسسات الإعلامية العمومية والسعي إلى اخضاع المؤسسات والمنابر الإعلامية المستقلة من أجل طمس التنوع في المشهد الإعلامي وتحويلها إلى بوق دعاية. وتجدد الرابطة مطالبتها بإلغاء المرسوم عدد 54 وإعادة الاعتبار لدور الهيئات التعديلية المستقلة في مجال الاعلام وتحرير الاعلام العمومي من التبعية للسلطة التنفيذية.
• تضامنها مع معاناة التونسيات والتونسيين جراء تفاقم الأزمة الاقتصادية ومطالبتها السلط المعنية بضرورة تحمل مسؤوليتها في معالجة الأزمة وتكريس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لأفراد الشعب.
• رفضها الشديد لخطاب التفرقة والكراهية ولكل أشكال التمييز والعنصرية.
• تجديد التزامها بدورها الوطني الرامي إلى تكريس الديمقراطية ودولة القانون واحترام حقوق الانسان، ودعوتها جميع القوى الديمقراطية والحقوقية إلى الالتقاء حول برنامج عمل مشترك في مواجهة التحديات التي تفرضها الأوضاع الراهنة.
وبمناسبة هذا اليوم، لا يفوتنا أن نرفع أصواتنا عاليا للتعبير عن استنكارنا الشديد احتجاجا على حملة الابادة والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي يقترفها الكيان المحتل في حق الشعب الفلسطيني ممّا أسفر عن عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى ومئات الآلاف من المشرّدين. فمنذ بداية أكتوبر، نشهد تصعيدًا غير مسبوق للعنف والقمع الذي يمارسه الكيان المحتل، والذي يتصرف علنًا كنظام إبادة عنصري. إن هذه الحرب الوحشية غير المسبوقة، تمس من جوهر المبادئ الأساسية للقانون الدولي لحقوق الانسان وللقانون الدولي الإنساني، حيث تستخدم الأسلحة المحظورة بدون رادع، وتُداس الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني بدعم عسكري وسياسي غير مشروط من بعض الدول، وهو ما يعزز إفلات الجناة من العقاب ويزيد من معاناة الشعب الفلسطيني.
وباعتبارنا منظّمة ملتزمة منذ عقود بتعزيز العدالة وحقوق الإنسان وبحق الشعوب في تقرير مصيرها، وإذ نجدد نداءنا إلى كلّ هياكل المجتمع الدولي من أجل تحرك عاجل لوقف فوري لهذا العدوان، فإنّنا نطالب ب:
• إدانة قوية وصريحة للمجازر التي يرتكبها الكيان المحتل في فلسطين وخاصة في غزة.
• اتخاذ إجراءات فعالة لوقف العدوان، ورفع الحصار المفروض على غزة، وتقديم المساعدة الإنسانية العاجلة للسكان.
• إدانة الدول والجهات التي دعمت أو سهلت العدوان على الشعب الفلسطيني.
الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحقه في الحرية ومقاومة الاحتلال.
• محاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في حق الشعب الفلسطيني وفق قواعد القانون الجنائي الدولي.
• وإنّنا اذ نشدّد على أن مساندة الشعب الفلسطيني وكرامته تقع على عاتقنا جميعًا، فإننا واثقون من أن زخم التضامن الشعبي والدولي يمكن أن يحدث التغيير ويحقق العدالة.
Leave Your Comment